إن المراقبين الذين يتتبعون اجتماعات المجلس الأعلى للقضاء الذي تناقش فيه دوريا كل الأمور المتعلقة بعمل المحاكم يمكنهم أن يلاحظوا غياب الاستقلالية من خلال معالجة الأمور على أساس معاينتها وهو ما يؤكد بالضرورة تبعية خطيرة تمس هذا القطاع تتعلق بالأساس في:
السيطرة الكلية لوزير العدل بمساعدة أهم معاونيه (المدعي العام لدى المحكمة العليا ، المفتش العام للإدارة القضائية والسجون) على كل القرارات التي تم اتخاذها في الاجتماع الأخير للمجلس المنعقد يوم 26/12/2011 ، الشيء الذي يشكل خطرا مميتا يتمثل في تدجين القضاء الذي أصبحت قراراته تتخذ بناء على طلبات سرية وبإملاءات إلى قضاة الحكم الذين يقومون بدورهم بإعلانها إلى العامة تحت طائلة المتابعة والتهميش. فنحن ما زلنا نتذكر القرار الصادر في ملف محمد الأمين ولد الداده (المحبوس تحكميا منذ 27/09/2011) الذي اتخذه وزير العدل يوم 10/11/2011 عن طريق الصحافة (إذاعة فرنسا الدولية) ليعتمده ويبلغه قاضي التحقيق يوم 04/12/2011.
ترقية بعض القضاة بتعيينهم في وظائف سامية بقدر تبعيتهم لإرادة وزير العدل أو لانتمائهم لمجموعة معينة وهو ما يشكل خطرا حقيقيا ذا صبغة قبلية هدامة ومضرة بقطاع العدالة.
إن خطر تبعية القضاة على أمن المواطنين والأجانب المقيمين في بلادنا بل وعلى الاستثمار الداخلي والخارجي يغطى على كل الامتيازات الضريبية الممنوحة لهذا الاستثمار بسبب انعدام الأمن القضائي وهو ما سيؤدي إلى انعكاسات وخيمة على نمو هذا البلد.
بالإضافة إلى هذه الملاحظات فإن مشاهدي التلفزة الوطنية وقراء صحيفتي الشعب وأوريزوه فوجئوا بغياب أية صورة لاجتماع المجلس الأعلى للقضاء في الوقت الذي تحرص فيه هذه الهيئات الإعلامية على تغطية كل الاجتماعات التي يحضرها رئيس الجمهورية ، فهل يعود ذلك إلى احتقار وسائل الإعلام هذه لهذا المجلس أو أن الاحتقار يتعلق بكون أحد أعضاء المجلس فقيها أو لأنه كان يرتدي فضفاضة أو ينتمي لمجموعة ينحدر منها القاضي المشطوب عليه بناء على طلب من وزير العدل أعلن إثرها هذا الأخير حربا لا هوادة فيها على هذه المجموعة. فلابد من مساءلة وسائل الإعلاlووزير العدل حول هذا الاحتقار.
اسمحوا لي في النهاية بأن ألاحظ مستقبلا مظلما للعدالة بسبب غياب الأركان الأساسية لتطهيرها وعلى الخصوص:
أ ـ الإرادة السياسية الحقيقية لانتشال العدالة من وضعها المظلم
ب ـ الطاقات البشرية الكافية المكونة مهنيا والمستعدة لتوجيه ومصاحبة جهود الإصلاح بعيدا عن سيطرة وزير العدل ومعاونيه والسلطة التنفيذية.
ج ـ التشاور مع الهيئة الوطنية للمحامين ، فرئيس الجمهورية لم يستقبل النقيب ومجلس الهيئة الوطنية للمحامين منذ قرابة سنتين كما لم يفتتح المؤتمر الدولي السادس والعشرين للنقابات ذات التقاليد المشتركة (CIB) ولم يستقبل نقباء الدول المشاركة في هذا المؤتمر رغم كونه أصبح المؤتمر الأكثر نجاحا منذ تاريخ إنشائه بشهادة المشاركين. وفي الوقت نفسه تفتح أبواب القصر الرئاسي أمام كل الزوار وفي بعض الأحيان الأقل أهمية.
وفي ظل هذه الأجواء كيف يمكننا الحديث عن العدالة في بلادنا ؟
انواكشوط بتاريخ 28/12/2011
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire