mercredi 6 mars 2013

حرمة القانون




فضلا عن ما يشاهد أمام الأعين  وعلى مرأى ومسمع من الكل  ، يتم بين الحين والآخر وصول خبر عن وقوع أحد المواطنين ضحية عمل إجرامي ، بقتله أو سلبه أو اغتصابه ... من طرف مجرمين لا يحترمون القانون ولا يراعون حرمة النفس ولا المال أو العرض ، في الوقت ذاته لا نجد من تدابير للوقوف في وجه هذا الأمر  سوى تسلي الشرطة ببعض المواطنين تقتادهم دون ذنب وبغير وجه شرعي إلى مفوضياتها وهي لا تعلم أنها بذلك  ومن يأمرها يقعون فيما وقع فيه الصنف الأول ،بانتهاكهم لحرمة المواطن وتقييد حريته  ... وكأنهم يتقاسمون الأدوار مع أصحاب الأفعال السابقة اتجاه المواطن ، فأين يقف القانون من كل هذا ؟
منذ زمن والجريمة تنتشر في المجتمع الموريتاني انتشار النار في الهشيم ، وإن كانت اختلفت أساليبها مع مختلف مراحلها الزمنية ، أساليب أصبحت اليوم تتميز بالعلنية والعينة ، موضحة الوتيرة المتسارعة في معدل الجريمة نتيجة الفراغ القيمي والديني لدى أصحابها من جهة وتجاهل يصل حد المباركة من السلطة أحيانا من جهة أخرى ، ففي الوقت الذي بلغ فيه سيل الجريمة الزبى  وأصبح الكل يشكيها يجد المواطن الحصيلة عقابا من نوع آخر يتمثل في إجراءات تنال من حريته وتدوس كرامته ، فهي لا تختلف عن سابقاتها إلا في المصدر . مما يجعل السلطة في ورطة قانونية ثنائية الأبعاد ، أحد أبعادها دولي بينما الآخر محلي .
تمتلك موريتانيا دستورا أوردت في ديباجته الإعلان عن تمسكها بمبادئ الديمقراطية الوارد تحديدها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول – ديسمبر 1948 بباريس ، مما يعني أن موريتانيا أصبحت ملزمة بما في هذا الإعلان ، الذي تضمنت مواده رؤية المنظمة لحقوق الإنسان المكفولة لكافة البشر ، المتمثلة في  ضرورة عمل كافة الحكومات الموقعة عليه على اتخاذ كافة التدابير اللازمة والتي من شأنها أن تحول دون تعرض الإنسان "مواطنا أو أجنبيا " لأي عمل بدني أو معنوي يمس من جسمه أو كرامته ، وهي بالتخصيص على سبيل المثال العمل بكافة الوسائل واتخاذ مجمل التدابير للحيلولة دون تعرضه للخطر من أي شيء ، أي الحفاظ على نفسه وماله وحريته ، فقد نصت المادة 11 من هذا الإعلان على أنه "لا يدان أي شخص من جراء أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل إلا إذا كان ذلك يعتبر جرما وفقا للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب " .
كما ورد في نفس الدستور وفي ديباجته أيضا وبالتخصيص في نفس الفقرة التي تضمنت ما يتعلق بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان التمسك بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الصادر بتاريخ 28 يونيو 1981 الذي تمت إجازته من قبل الرؤساء الأفارقة بدورته العادية رقم 18 في نيروبي (كينيا) يونيو 1981 ، الذي تنص مادته السادسة على أنه " لكل فرد الحق في الحرية والأمن الشخصي و لا يجوز حرمان أي شخص من حريته إلا في الحالات التي يحددها القانون سلفا ، ولا يجوز بصفة  خاصة القبض على أي شخص أو احتجازه تعسفيا " .
وبالرجوع إلى ما جاء في الدستور نفسه وخصوصا فيما يتعلق بهذا المجال نجد المادة 10 منه قد نصت على أنه " تضمن الدولة لكافة المواطنين الحريات العمومية والفردية وعلى وجه الخصوص :
-          حرية التنقل ...
............
-          لا تقيد الحرية إلا بالقانون ".
كما عززت ذلك المادة 13 من نفس الدستور التي نصت على أنه " ... لا يتابع أحد ، أو يوقف ،أو يعتقل ، أو يعاقب ، إلا في الحالات التي ينص عليها القانون " .
وبين ثنائية دستورية دولية تملي من جهة العمل على ضرورة تأمين كل البشر في الحوزة الترابية للجمهورية الإسلامية الموريتانية  ، ومن جهة أخرى حرمة المس من حرية أي منهم دون فعل مجرم بنص قانوني سابق على الفعل ، يخرج المواطن الموريتاني محروما من الاثنين ، فلا هو محمي من العصابات والمجرمين الذين أصبحوا يسرقون بل وينتزعون منه مختلف ممتلكاته من هاتفه النقال إلى نقوده ومن سرقة الحوانيت إلى المنازل ، وفي سبيل فعل ذلك مستعدين حتى للقتل كما تكرر أخيرا ، حيث وصل عدد ضحايا القتل في غضون 15 يوما إلى ما يقارب 31 شخصا ، فضلا عن الاغتصاب الذي أصبح ينتشر بشتى الأساليب حتى وصل لحد العلن ، ومنه يقف المواطن دون حماية من هؤلاء من طرف من يتحملون المسؤولية في ذلك ، أي من الرئيس الذي يقسم على السهر على تطبيق الدستور والعمل صوب الجانب الإيجابي بما يخدم المواطن ، الذي تبرز في مقدمته حين الترتيب حقه في الأمن والأمان ، فضلا عن المسؤولية الملقاة على رجال الأمن الذين ينهكون ذمة المواطن الاقتصادية بالضرائب التي منها تدفع أجورهم فضلا عن باقي الامتيازات التي يتمتعون بها ، فبالإضافة إلى المسؤولية المترتبة عن التقصير في العمل على تأمين المواطن ينتهكون هم الآخرون القانون في حقه مصطدمين بكل ما سبق فضلا عما تقره المادة 4 من القانون الجنائي الموريتاني ، التي إلى جانب سابقاتها معززات بالمادة بالمادة 71 من الدستور التي تنص على أن " الأحكام العرفية وحالة الطوارئ  يقرها رئيس الجمهورية لمدة أقصاها 30 يوما ". تقفان في وجه المس من أي شخص سواء باعتقاله أو غير ذلك بدون وجود نص سابق على ارتكاب الفعل ، أو في حالة طوارئ معلنة من طرف رئيس الجمهورية .
 ومنه تفوز السلطة على المجرمين في السباق اتجاه حرمة المواطن ، حيث تبقى مسؤولية المجرمين في حدود فعلهم الإجرامي  ، بينما هي مسؤولة عن امتناعها عن فعل اللازم لتأمين المواطنين ، إضافة إلى انتهاك القانون في حقهم بتقييد حريتهم والقبض عليهم دون أي وجه حق ، مما يعني حكمهم بحالة الطوارئ دون المرور بمسطرتها القانونية.
لا يعيش البشر دون عقد اجتماعي يتمثل في مجموعة من القوانين ترسم الخريطة التي تحدد مسار الكل دون اصطدام ، وإلزام الجميع باحترامها بسن نصوص تجبر أي ضرر ينجم عن أي احتكاك ، وعقوبة صارمة إذا دعت حاجة الردع لذلك ، وهو ما يجمل كله تحت اسم " القانون" الذي لا يميزه عن باقي قواعد السلوك الاجتماعي إلا الإلزامية والردع . وحين يفتقدهما يكون اسما بدون معنى ، فهل يهدد افتقاده لهما في موريتانيا ضرورة التعايش ؟




mercredi 13 février 2013

موريتانيا وأمل التغيير




ظلت موريتانيا منذ عقود لا تدخل أزمة إلا وأخرى على الأبواب أزمات كعبتها الأنظمة العسكرية المتعاقبة ، التي تنتهج سياسات أقل ماتوصف به بأنها فاشلة ، فهي لاتراعي مصالح المواطنين ولاتكترث لحالهم ، الأمر الذي يستدعي سخط المواطنين وعدم رضاهم عن مثل هكذا أمر ، وفي ظل تراكمات جعلت صدر المواطن ضيقا حرجا عن تحمل مزيد منها وجد المواطن نفسه في وسط متغيرات إقليمية تهاوت في وجهها عروش ونياشين الأنظمة الاستبدادية في المنطقة ،فهل لموريتانيا من مقعد في قطار التغيير ؟
قال مبارك مصر ليست تونس وقال القذافي ليبيا ليست مصر ... لكن خانهما التوقع وكانت الأمواج واحدة عصفت بكليهما كما فعلت بالسلف ، وبعد خروج الشعب الموريتاني ردد النظام ماردده سلفه "موريتانيا ليست كشقيقاتها " .
صحيح موريتانيا ليست مثلهم فلاتعليمها كتعليم تونس ولا فقرها كفقر أي من الأخريات ...
نتيجة مايعيشه الوطن داخليا من ظلم وتهميش وإقصاء ودكتاتورية من جهة وربيع عربي إفريقي وصل نسيمه المطهدين في موريتانيا من جهة أخرى، بدأت التحركات الشعبية المطالبة بالتغيير في موريتانيا يوم الخامس والعشرين من فبراير 2011 .
وبين اسر الاحتقان السياسي والاجتماعي ، وتردي الوضع الاقتصادي والصحي والخدماتي ، عاش الوطن والمواطن ،واقع استدعته السياسات  التي ينتهجها  النظام والتي لاتراعي من مصلحة الوطن والمواطن سوى الحرص على تأمين استمراره في السلطة ، اعتمادا على القمع الداخلي وتقديم التنازلات لدرجة المس من السيادة للقوى الخارجية ... فذلك بالنسبة لهم هو غطاء الشرعية ، وهم بها :
نائي المناهل طامس أعلامه     ميت الشخاص بها يكاد يحول
لكن الشباب الموريتاني ظهروا مرددين لم نعد مغفلين ولا للذل قابلين ، فمن يسأل يعرف ومن يسعى يجد ومن يخرج يصل ، لن نتركها غنيمة للمفسدين أو دمية للعابثين .
بهذا خرج الشباب مقارعين الدكتاتورية لكسر قيود الظلم والاستبداد ، متخذين من عظمة النفس البشرية سلاحا في وجه كل المعوقات التي قد تعترض طريق التغيير ، أو تحول بينهم وتسطير مستقبلهم وحاضرهم بأيادي نظيفة .
إلا أن الطريق في سبيل ذلك صعبة وشائكة ، فبالإضافة إلى الانتهازيين ، هم في وجه نظام مخالبه تطال كل مناح الحياة وتنهش كل طالب للتغيير ، فضلا عن مقدراته التي هي مقدرات الشعب الموريتاني التي يسخرها في إجهاض أي عمل من هذا القبيل .
وبين هذا وذاك وجد الحاضر الغائب - منسقية المعارضة الديمقراطية - نفسها في قطيعة مع النظام القائم مما يجعل تعاملها معه أصبح شبه مستحيل ، لتدخل هي الأخرى على الخط حاملة شعار "الرحيل" ، فقد :
عزت كواهلها العرائك بعدما     لحق الثميل فمالهن ثميل
إن الأمل في التغيير بلاشك يتطلب التوحد والتضامن بين كل القوى الجماهيرية التي ستمثل قوة ضغط أشبه بالاعصار لا يمكن أن يصمد أمامها أي نظام بأي أزلام ، وفي وجه ذلك لايبقى له سوى البحث عن مخرج بأقل التكاليف ومثال ذلك حي كما حدث مع النظم التي كانت تأكل وتقتل أبناء الدول الشقيقة ، حيث لاصمود لأبناء الغوغاء وأجهزة الإعلام غير المسؤولة بل والمشبوهة في ظل نكوصها عن تأدية الدور المنوط بها اتجاه كل أبناء الوطن الذين أعطوهم حق الامتياز بشتى أنواعه ، ومع ذلك الرد بغير الجميل فاق كل أنواع الكذب والتضليل .
وفي ظل الانتكاسة التي تطال مختلف المراكز الحيوية التي هي بمثابة الشرايين المغذية لوجود أي كيان من هذا القبيل والتي يجب أن  تكون الشغل الشاغل لمن ولاءه لوطنه لايبقى من مبرر لوجود مثل هذا النوع من الأنظمة .
وبين الأمل في سبيل ذلك وواقع يملي ضرورته ، تنصب الأنظار حول شباب يحمل شعلته ويؤمن بقضيته ، التغيير هدفه والخامس والعشرين من فبراير يومه ، فهل ذكراه القادمة ستكون لهم يوم انتصار أم مجرد جمع قوى واستمرار ؟