samedi 7 mars 2020

خرج الرئيس








بعد شهر من الحديث خلف الكواليس عن خروج إعلامي سيخرج فيه الرئيس عن مألوف سلفه ، ويدشن فيه علاقة جديدة مع الاعلام والرأي العام ، خرج الرئيس داعيا الإعلاميين للعشاء ، ولبوا بوقار دعوته ، وبالاحترام الذي يجب أن يطبع مجلسه المهيب ، والذي لا يخرج منه حديث إلا بعد فحصه والتأكد من خلوه من أي شيء لا يريد له الرئيس وأعوانه الخروج !
لقد صدق على النشاط الاسم الذي أطلق عليه المنظمون وهو العشاء ، ليلا يقول قائل متجن أنه لقاء مع الصحافة ، أو مؤتمر صحفي يعقده الرئيس مع الصحافة ، ولو كان ذلك ما أراده المنظمون فلعلهم يقصدون لقاء الرئيس مع بعض الأطياف ولو من خلال صحفييهم لعرض مشاكلهم على أمل أن تسمح فرص أخرى لأطياف أخرى لتتحدث عن مشاكلها وهمومها هي الأخرى .
يخرج هذا النوع من الخرجات الإعلامية عن الاطار الزمني الذي نعيشه اليوم ، كما أنه لا يساير مقول أنصار العسكر الذين يتحدثون عن الديموقراطية ، والشفافية وحرية التعبير والانفتاح ...، وهذا النوع من الخروج في الحقيقة تعود ملكيته الفكرية للأنظمة الشمولية والاستبدادية ، التي تستعيض عن الشفافية والمصارحة الحقيقية والتحدث مع الإعلاميين دون قيود " الماكال ش ما خاف ش " بالمسرحيات وغيرها من الأعمال التضليلية ، التي يراد منها إخراج الزعيم بالصورة التي يريد ويريد له مريدوه أن يخرج بها ، وليس لإطلاع المواطنين على أحوال بلدهم ، وكيف تدار وتعالج مشاكلهم .
خرج الرئيس غير مبال وغير متحمس ، نبرته غير تلك التي تحدث بها أيام الحملة ، ويتجلى ذلك في معرض رده على الصحفي الذي طرح مشكل زملائه الذين يعملون بدون عقود عمل ، وعن ضياع حقوقهم التي تخضع لمزاج المدراء ومدى القرب والتقرب منهم ، وكذلك أرباب العمل ، وكان رد الرئيس أشبه بالتشفي منه لحديث المسؤول الأول في البلد ، المسؤول الأول عن الحفاظ على حقوق المواطنين واحترامها ، وعدم تركها للعبث والضياع ، أمر بمكرمته لصحفيين ، وغاب حماسه حين تحدث عن حقل بأكمله وعمال يعانون بمجملهم !، لم يغضبه عملهم بدون عقود ، لم يتشنج ، لم يرفع صوته ، لم يتوعد من يفعل ذلك بعقابه وتطبيق القانون عليه ، وانتزاع حقوق مواطنيه من أولئك المتجبرين ، ولم يختلف الأمر كثيرا حين تحدث عن تقارير محكمة الحسابات ، وذهب أبعد حين شكك في مصداقيتها بحديثه عن أرقام غير دقيقة في تقاريرها ، وهو ما يعني أحد أمرين إما أن المحكمة تكذب وهذا يستدعي عقاب القائمين على تقاريرها ...وتوضيح ذلك للرأي العام ، أو أن الرئيس يقف في وجه حساب المفسدين ، وأنه يبارك ذاك التوجه وهو ما يعني استمرار نزيف الفساد الذي يكاد يعصف بالوطن !
كان الحل السحري لكل المشاكل عن طريق تآزر هو العلاج الأول وربما الوحيد ، مع أن تآزر اليوم هي تضامن الأمس بقمحها وأعلافها ومدارسها وملياراتها التي لم يستفد منها سوى القائمين عليها ورجال أعمال النظام !
لا تنتمي تآزر هي الأخرى للإطار الزمني اليوم ، وإنما لمنطق "لخيام" ، فهي تتدخل مثل الرجل التقليدي الكريم الذي عاد لتوه من غيبته ، ولا تصلح بديلا عن مؤسسات متخصصة بكل قطاع ، يعتبر أصحابها متخصصين ، ويفترض أن لديهم طواقم بإمكانها وضع تصور مع شركائهم في القطاع والسهر على تنفيذه ، وتآزر تعمل وتتدخل في مجال عمل تلك القطاعات والقطاعات موجودة مثل قطاع الصحة والتعليم ...، مما يعني تضخما في الجهاز الإداري الذي يعاني أصلا من التضخم ، وتضخم رأس مال رجال يعاني هو الآخر من التضخم القذر والكسب غير المشروع !
يصلح مثل تآزر وليس بصيغته الحالية للتدخل حين تضرب البلد لا قدر الله كوارث طبيعية تستدعي التدخل العاجل " تقسيم مواد غذائية ... " أما أن يكون هو النهج الرسمي والدائم وهو كلما لدى النظام ليواجه به مشاكل التعليم والصحة وغيرها فذاك مكمن الفشل والعجز التام عن وضع تصور ودفع القطاعات المتخصصة لتنفيذه والاضطلاع بمهامها !
لقد خرج الرئيس وأخرج نفسه على طريقته ، الشكل كما اعتاده الجميع في أفراحهم ، مع الاختلاف في الموضوع ، والجهات التي أوكل إليها أمر الإخراج ، مع أن استدعاء موريكوم أو غيرها كان سيكفي الرئيس ومستشاريه ومعاونيه عناء التنظيم والإخراج ، وربما كان أفضل لاختصاصهم في المجال .