samedi 29 août 2020

الحرب الوهمية على الفساد !

 


يعتبر الفساد العدو الأول للشعوب والخطر الأكبر على الأوطان ، لأنه العامل الأول والسبب الرئيسي لكل الكوارث التي تتعرض لها الدول والشعوب ، ففي ظل الفساد تسرق الشعوب ، وتترك للفقر والفاقة والمجاعة ، وفي ظل الفساد تتشكل كيانات داخل الدولة تنخر جسمها لتقضي في أول الأمر على وجود الدولة الاعتباري والقانوني الذي سيتوج لاحقا بالقضاء على وجودها الفعلي !

يخوض الفساد حربه ضد الدولة أي ضد القانون بلا هوادة ، ودون التقيد بأي شيء ذو طابع إنساني أو ديني أو قيمي ، وشدته تلك وخطره استوجب التسلح اتجاهه بالشجاعة والصرامة والإرادة الحقيقية في القضاء عليه لأن قليله يضر ، وانتشاره مثل انتشار النار في الهشيم .

لقد وصل الفساد عندنا مراحل متقدمة وربما الأخيرة ، لقد دمر بشكل كبير منظومتنا القيمية ،الدينية والمدنية ، وأصبح يهدد وجود كيان الدولة ، حيث أصبح اليوم سارق المال العام ذاك المبجل الرائد والمتحكم ، وقطيع بأكمله يصول ويجول بيده أمر الحل والعقد ينثر قيم الشر هنا وهناك ، يتلبسون بلبوس المسؤول المحترم أو الفقيه المنزه أو الشيخ الموقر ..، وهم في حقيقتهم شياطين مردوا على النفاق والكذب والخداع ، وهم شركاء بوزيرهم وفقيههم وشيخهم في كل فساد حدث ويحدث في هذا الوطن .

إن النائب والوزير والأمين العام والمدير شركاء في الفساد أيضا وفقا للقانون 14-2016  ، فالفساد الكبير وبكل أشكاله يخرج من مجلس الوزراء على شكل صفقات ومنح أراضي وبنوك أو بيعها ...، والبرلمان هو من يصادق على المخرج الوزاري ، والقانون السابق الذكر يعتبر أن أي موظف على اطلاع بملف فساد أو مشارك فيه لم يتحدث عنه إلا بعد فتح التحقيق فيه يعتبر شريكا أصليا في الجرم ، ومن يظن أن التملص من تلك المسؤولية ممكن من خلال الحديث عن فساد رأس النظام واهم ، فرأس النظام لو لم يجد وزراء ونواب هم الأساس الحقيقي للفساد في هذا البلد وهم من نهبه لما أمكنه الاقدام على أي نوع من أنواع الفساد ، لكن من حسن حظ المفسد أن يجد أمامه مثل تلك المنظومة التي تقدس الحاكم وتسبح بحمده وترفعه لمقام الجلالة حاشا لله ، وتعتبر أشنع أفعاله أبرز مثال على العمل الصالح والوطنية ...

من له نية حقيقية لأبسط نوع من الاصلاح والحرب على الفساد أول خطوة يجب أن يقوم بها هي تجريد المفسدين ، وسن قانون عزل سياسي لهم كما حدث في البلدان التي حدث فيها تغيير حقيقي ، أما ملاحقة رأس النظام خلال العقد الماضي بسبب موقفه فلن ينخدع به أحد ، وهو أمر سبق إليه الملاحَق حين قدومه بنفي الرئيس الذي سبقه وسجن بعض أقاربه والآن تعيشون نتائج تلك الحرب على الفساد من خلال الحديث عن فساد لم يسبق له مثيل وبلد سرق بأكمله ، ووفق هذه المعادلة وإذا صار الأمر وفق مخطط المنظومة الفاسدة فإنه سيتم الإجهاز على البلد في هذه المرحلة ليأتي المخلص القادم الذي سيلقبونه بالرئيس المنقذ من خراب وتدمير الرئيس الذي سبقه والذي يحكم الآن ، وسيجلسون أيامه الأولى واعظين أعينهم تفيض من الدمع حزنا على حجم الفساد الذي تعرض له البلد محملين منقذهم اليوم كامل المسؤولية والظهور بمظهر المسكين الذي تم توريطه دون علمه وتضليله! ، فساد في حقيقته هم أساسه وأمثالهم من تجار المواقف الذين دمروا قيم المسؤولية ، وقيم العمل ، وقيم الانتماء إلى وطن تفرض على أصحابها الاخلاص له والحفاظ عليه ، لا قيم النفاق والكذب والنكران التي يسلبون بها الوطن منذ عقود !

إن اختطاف شعار الحرب على الفساد من طرف العصابة واستخدامه فقط ضد من يفدُون به نظامهم سيمدد من عمر الفساد ولن يحد منه أو يقضي عليه ، فالحرب على الفساد بالمفسدين وأدواتهم مجرد نوع من العبث ، فتلك حرب لن ينجح فيها إلا صاحب إرادة صادقة ، لا يؤمن بالتوازنات القبلية ، ولا يكترث لأمر المفسدين ، ولا يستمع لبيادق النفاق ، ولا يتشاور مع أحلاف العبث السياسي ..، ولن يكون طبعا أحد الأبناء البررة لنظام الدمار والخراب العسكري الذي يحكم الآن .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire