dimanche 16 août 2020

التطبيع الوطني !

 


يتجدد الحديث عن المصالح الوطنية بعدد كوارث الحكام المتجبرين ونظمهم الفاشلة ، ليصل بهم ذلك المسار الوقح اليوم إلى تبرير التطبيع بالمصالح الوطنية ، وتبرير الارتهان للقوى الخارجية بالسيادة ، ليكتمل مشهد ازدراء الشعوب واحتقارها بالحديث إليها بهذا المنطق المشوه !

إن مصالح الأوطان لا تقاس بما تروج له الأنظمة الديكتاتورية ومخابراتها وغلمانها ، حيث أنهم بعد كل خطوة خطيرة اتجاه إحدى الدول الافريقية أو العربية أو الآسيوية إذا بالأنظمة التي تخاف السقوط وتستمد شرعيتها من الاعتراف الخارجي دون قبولها على المستوى الوطني إذا بها تهرول وتبرر موقفها التابع والمرتهن بالمصالح الوطنية وهي في نفس الوقت لا تقدم ولا تستطيع تقديم أي شيء على المستوى الوطني ،ولم تجن أيضا من تلك المواقف المشينة سوى العار والخراب ، وهو ما يوضح أن تلك المصلحة الوطنية يكني بها الديكتاتور وزبانيته عن مصلحته الشخصية في بقاء عرشه وتركه يسرح ويمرح وينهب ...، وعلى من يتوهم خيرا من التطبيع النظر لحال دول أفقدها التطبيع مكانتها ومركزيتها ويسرها ..

من المحزن اليوم أن ترى شبابا يفترض فيه الوعي يدافع عن التطبيع وبيع المواقف والذوبان بمسوغ المصلحة الوطنية !، ومن المعلوم أنه لو كان بين هؤلاء من يدرك المعنى الحقيقي للمصالح الوطنية والأمن القومي لما كان هذا كلامهم !، فهل بينهم من يضمن أن دولته ليست الضحية القادمة التي سيتم ابتلاعها ، وهل فيهم من يضمن أن ثروتنا السمكية وغازنا وحديدنا وذهبنا وكل ثرواتنا لن تكون في الأيام القادمة هي الهدف الرئيسي لشركات السلاح ولوبياتها التي تحكم أكبر دول العالم !؟

إن الدفاع عن الحق من حيث المبدأ هو الضامن الوحيد لاحترام حقك وتحقيق مصالحك ، فكما نرفض التضييق داخليا على الأحزاب وسجن النشطاء ...، خوفا من أن يصبح ذلك نهجا يطال كل المواطنين ،فإن رفض الدول كذلك المساس بحقوق أي شعب آخر أو الاعتداء على دولته هو في النهاية ما يضمن الاحترام الشامل لكل الدول وحقوق شعوبها ، وذاك لب ميثاق الأمم المتحدة قبل تحولها لمجرد مصلحة تتبع لوزارة الخارجية الأمريكية ، كما تجدون الهدف من أقوى أحلاف العالم هو الدفاع المشترك والحفاظ على كيانات الدول الأعضاء في وجه أي شيء يهددها " النيتو مثلا " ، وهذا هو المنطق السليم ، أما تيار التطبيع والتقرب بالدول وحقوق شعوبها من أجل بقاء أخرى يرى أصحابها أن حفاظهم على أوطانهم يتطلب ذلك فمثله مثل أصحاب المنزل الذين يتسترون على سارق جيرانهم وهم لا يدرون أنهم ضحيته القادمة ، أو المتفرجين على النار التي تلتهم عريش جيرانهم .. !

لقد أصبح لسان حال مثلي يلهث ترحما على حجاجيي الأمس الوطنيين ، أو ما يلقب مفردهم بالديكتاتور الوطني ، وهم حكام أوطاننا في النصف الثاني من القرن الماضي ، فإلى جانب شدتهم وفسادهم كانت لديهم خطوط حمراء على الأقل ، وكان لديهم دور إيجابي إقليمي" عدم الانحياز ، والوحدة الافريقية ، والاتحاد الافريقي " و محلي  مثل تأميم اقتصاداتهم ، عكس توجه الجيل الثاني والثالث منهم الذي يحكم اليوم ، والذي ينظر لشرف وطنه ومصالحه بعين العاهر التي لا تخاف الاغتصاب ولا تهتم لأي وازع وإنما تخاف فقط رجل الأمن الذي يحميها !

إن فزع وهلع الجيل الثاني والثالث من السقوط بعد الموجة الأولى من الربيع العربي هو ما يبرر التدافع الحاصل نحو التطبيع ، متوخين منه واهمين أن إسرائيل ستحمي عروشهم ، صحيح قد تساعدهم إسرائيل في التجسس على بعض النشطاء وحتى في جلبهم أو اغتيالهم لكنهم لن يفهموا أن ذلك أحد الاسباب التي ستعجل من سقوط عروشهم ، ولن يصدقوا أن ابتعادهم عن التطبيع والتضييق والعمل على الاصلاحات الداخلية والتصالح مع القوى الوطنية أفضل لعروشهم من الاستجداء بالموساد لحمايتها !

إن استجداء الأنظمة الفاسدة واتكالها على وكالات استخبارات أجنبية تناصبها العداء شبه الأزلي  يشي بتقلص مساحة تأثير الأحكام الفردية على المستوى الوطني ، وهو ما يشير إلى اقتراب نهايتها ، وكما كانت أيام من تجوال بعض الجماهير في الميادين كفيلة برحيل بعضهم فحال من يحكم منهم الآن لن يكون أفضل في أيام الجماهير القادمة .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire