راح ولد عبد العزيز ، عاش ولد الغزواني ، هكذا ودع الجمهوريون
رئيسهم بالأمس ، واستقبلوا رئيسهم اليوم ، وهذا ديدنهم ، فهم جمهور لا يحب الآفلين
، ولا يترددون ولو لحظة في التعلق بالقبطان الجديد ، يلتحقون مسرعين ، خوفا
من الحرمان " الزمكة " ، وطمعا في قسط من الكعكة ، وفي سبيل ذلك مجال
خدماتهم مفتوح ودون خجل ، واليوم يشد عضدهم في الترحيب برئيسهم الجديد الرفاق في
المعارضة ، ناسين أو متناسين أن ولد الغزواني هو ثاني أبرز أعضاء مجلس العدالة
والديموقراطية الذي حكم في 2005 ، وأنه
حافظ على نفس المكان في المجلس الأعلى للدولة الذي حكم في 2008 ، وأنه من يقود
الانقلاب اليوم ، فأي جديد ينتظرونه من الرجل غير الاستمرار في النهج الذي أسس له
أسلافه من الضباط وساهم في ترسيخه ، وطالب باستمراره بالأمس مؤيدوه اليوم ؟
يوما بعد يوم تتضح معالم حكم الرئيس الجديد ، ويتضح لمن توهم
أنه مختلف عن سلفه أنه ليس كذلك ، فهو يشغل نفسه بالأمور الخارجية ، أما الداخلية
فهي لما كانت عليه وماهي عليه تستحق ، أسفاره أكثر من خروجه لتفقد أحوال المواطنين
، وأحوال المرافق ، فهو الآن في سفر خارجي لأسبوع كامل في الوقت الذي يحتاج فيه
البلد لكل دقيقة من وقت من يفترض فيهم أنهم قادته ومسؤولوه ، بلد بحاجة إلى التوقف
لدقائق على أحوال مؤسساته التعليمية لكشف حجم الكارثة ، دقائق للوقوف على حال المرافق
الصحية لكشف حجم الجرم ، دقائق في السوق للوقوف على الارتفاع الجنوني للأسعار ، دقائق
لقراءة تقارير محكمة الحسابات ...، وبعد ذلك الدخول في الأيام والأسابيع التشاورية
من أجل البحث عن حلول واقعية ، وفق استراتيجيات يتم وضعها لحل تلك المشاكل ،
والسهر على تطبيقها .
إنما وصل إليه الوضع اليوم ينذر بخطر حقيقي ، تصور أن يجوب
مواطن السوق ذهابا وإيابا وهو لا يستطيع شراء قوته ، ودولته تتفرج ، أسعار بالأصل
ارتفاعها جنوني تزيد في ظرف أسبوع وبمعدل يتراوح بين 8 و 24% ، والدولة ليست لديها أي وسيلة لضبط الأسعار ،
وهي تترحم على سونمكس ، وتترك التوريد للاحتكار ، فلم يعد بإمكانها الاستيراد ولم
تفتح التنافس أمام الخصوصيين في استيراد المواد الغذائية ، بل تكتفي بالتفرج على
مواطنيها والأسعار تخنقهم ، وبدل التدخل تتركهم للمضاربة التي يحرمها ويجرمها
القانون ، وللمفارقة أتذكر هنا أن المخرج الشرعي الذي وجده العلماء للدولة من أجل تبرير
تعاملها بالفائدة هو ضمان الأمن الغذائي
للمواطنين !
إن أحد تجليات الخطر أيضا الذي يهدد كيان الدولة هو ما ورد في
تقارير محكمة الحسابات من فساد و نهب وتبديد للمال العام ، والأخطر كون المحكمة
جهاز رسمي مهمته الرقابة على صرف المال العام ، ومن المفترض أن له مصداقيته لدى
الجهات الرسمية ، وبدل فتح تحقيق في النهب
وقضايا الفساد التي تحدثت عنها تقارير هذا الجهاز يتم تجاهلها ، وهو ما يترك
الانطباع بأحد أمرين إما أن الدولة لا تستطيع التحقيق مع الأشخاص المعنيين وهو ما
يعني إصدار شهادة وفاة لها ، أو أن من يحكمون يعتبرون نهب وسرقة أموال الشعب أمر
عادي لمن يتولون تدبير أموره وهو نوع آخر من أنواع انعدام مفهوم الدولة يستحيل معه
قيامها، و بدل ترسيخ حرمة أموال الشعب وحمايتها
تترك للعبث " مال هوش " .
يتم الحديث اليوم عن فساد لم يسبق له
مثيل ، حدث بعضه في صندوق الأجيال ، وورد ذلك في تقرير محكمة الحسابات -بيان رقم4
/غ م/م ح/ 2019 المتضمن للتقرير حول مشروع قانون التسوية لسنة 2018 - ،
تقرير تحدث عن " غياب بعض الوثائق
المحاسبية للمبالغ المسحوبة ، بالإضافة إلى غياب مقارنة الحسابات ، كما تحدث عن
تحصيل عشوائي ... " ، لم يستدع ما ورد في هذا التقرير من حديث
عن الفساد فتح تحقيق في الأمر ، كما حدث مع التقارير التي سبقته ،و التي تحدثت هي
الأخرى عن فساد في البلديات ، وفي قطاع النقل الذي تحدث وزيره قبل أيام عن العقود الوهمية مع شركات صيانة الطرق وإعدادها ، ووصل الأمر حد الحديث عن عقود تأجير شاحنات غير
موجودة أصلا ، وعقود مع مكاتب وهمية هي الأخرى ، ولم يستدع الأمر أيضا فتح تحقيق ،
كما تم أيضا بمعزل عن تقارير المحكمة الحديث عن فساد ومحسوبية و زبونيه في مركز
الرقابة والمعلومات والاستخبارات CCCI ،
وهو ما كشفته الوثائق المسربة التي تم نشرها مؤخرا ، والتي أظهرت لوائح العمال
وبعض الصفقات التي عقدها هذا المركز ، كما
نال أيضا الكتاب المدرسي نصيبه من الفساد
، والحديث فقط حول البحث عن الطرق التي سلكها الكتاب إلى السوق السوداء بدل المدارس !
و أشد وقعا من هذا ، وقوف وزير صيد ولد
عبد العزيز الأمس ولد الغزواني اليوم وهو يحاول تبرير سرقة ثروتنا السمكية في عهد
ولي نعمته السابق ، وتقاسمها بين الوزراء
، وتلك إشارة واضحة وتأكيد على أن أبشع من
ذلك سيعيشه القطاع مع الوزير وفي ظل عهده أو عهدته الجديدة .
إن الواقع اليوم والوقائع على الأرض ،
وعقلية التسيير والتعامل مع الملفات ...، تكذب أي قول باختلاف حصل أو يحصل بين
نظام ولد الغزواني وسلفه ، وأن الوطن مازال يواجه المشكل الجوهري والمتعلق بانعدام
الإيمان بالنظم الجمهورية التي تحكم بها الدول وتساس بها ، وأن عقلية القطيع
والزمرة والحاشية هي من يحكم البلد ويعبث به .
" ويمكرون ويمكر الله والله خير
الماكرين" صدق الله العظيم
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire