لم يتوقف الانسان يوما عن الكفاح من اجل الافضل ، وعرف ذلك منذ الأزل ،
ورافق مختلف مراحل البشرية ، فلم تخلو أي حقب من حقب التاريخ من رائدين في هذا المجال ، كانوا
دوما الشعلة التي تنير الدرب ، وتسعى للرقي والازدها بشعوبها ، وبلدانها ، اتجاه
مصاف التحضر ، والعيش الكريم ، وإن اختلفت مشارب هؤلاء ، وسبلهم لتحقيق ذلك ، فإن
الهدف المنشود ظل واحد ، كما هو الحال في التعامل معهم ، فقد كانوا دوما يصطدمون
بجدار الاستبداد ، المسلح بالأيادي الباطشة ، والقوانين الجائرة .
إن أكثر اليوم ما يؤرق الحالمين بالتغيير ، والماضين في ذلك السبيل ، مبتغين
الأفضل لشعوبهم وأوطانهم ، هو قانون الجور الذي يكتبه المستبد ، في إحدى صفحاته
السوداء ، ليس إيمانا منه بالقانون ، أو العدل ، وإنما بحثا عن أداة قمع وتنكيل في
ثوب وهم الشرعية ، مستفيدا في ذلك من وضع شكلي يوهم به نفسه قبل الغير أنه يخوله
ذلك ، بوجوده في السلطة ، وتوفره على اشكال المعرف بها ، يرجع إلى الهندسة
والميكانيكا أكثر من الدستور ومصادر الشرعية ، مثل مجالسه اللا دستورية وغيرها ...
، الأمر الذي يوحي بعدم ارتباط نصوص وأفعال
مثل هذه الأنظمة بالقانون والشرعية .
لا يخفى على من يعيش في عالم اليوم مفهوم دولة القانون ، والغرض منها ، كما
النصوص التي تعمل بها ، الحاضرة في مجمل تفاصيلها ، التي لم يجد الانسان الخارج من
جحيم الاستبداد أفضل منها ، وهو من نحتها ، نزوعا للقيم ، وحنانا منه إلى مضجع
تصان فيه كرامته ، وتحترم له فيه حقوقه ، وسلطته المنبثقة من إرادته تسهر على أن
يتم ذلك على أكمل وجه ، مما يعني ان القانون ودولته ، وجدا بدافع وتطلع من الشعب ،
بعد ما عاناه في زنازن الاستبداد ، بيد أن ذلك لا يبقى على تلك الحال حين تكون طلائع
المشهد قوى الاستبداد ، العدو الأزلي لنظم العدل وإرادة الشعوب ، والتي دوما تسير
في عكس اتجاه إرادة ومصالح الشعب .
مادام الأمر واضح وبهذا القدر من التجلي ، يبقى النزوع نحو المغالطة والمكائد
والتضليل اتجاه الشعب أمر مفضوح ، مهما
كان اللثام ، وأيا كان المفهوم ، لأن العلة الحقيقية من القانون لا توجد في مثل
هذا ، من حيث غرضه ، وكذلك مصدر شرعيته ، بمعنى ان إلباس الجور ثوب القانون ، مجرد
تحريف للقانون ، والالتزام بالميكانيكية في إخراجه لا يضفي عليه صبغة الشرعية ،
لأن القانون أداة للعدل ، وشرعيته مصدرها مصالح وإرادة الشعب ، وليس تصفية خصوم المستبد
ومناهضيه ، أو مطيته في النهب وغيره من فساد .
ومنه لا يكون مثل هذا النوع من النصوص بالمكان المحترم ، أو الواجب التسليم
به أو طاعته من طرف المواطنين ، بل الواجب مناهضته والوقوف في وجهه ، فهو من أقبح
أوجه الاستبداد ، والمراد منه التنكيل بالمناضلين الشرفاء ، والتخلص منهم عن طريقه
.
لايكون
للقانون الذي يضعه المستبد أي ارتباط بفكرة العدل ، التي يوضع من أجلها القانون ، أو
صلة بإرادة الشعب التي يستمد منها شرعيته ، ومنه يبقى قانون المستبد كأفعاله ، لا
عدل فيه يرتجى ، ولا شرعية له تهاب ، ولا يستغرب ذلك من المستبد ، لاسيما في البلدان التي تختل فيها معايير
القيم وتتردَّى مفاهيم الأخلاق ويسود التسلط ، والقانون فيها مجرد عصا ، يستعملها
المستبد لما يريد ، الجديد في ذلك القانون الذي سيخرج هذه الايام "الاطار
القانوني لمجتمع المعلومات الموريتاني "، والذي يقف الآن بباب محطته الأخيرة
، وخروجه منها سيكون مثل مرور متسابق الرالي بمنعطف سهل ، وهي عبارة عن برلمان
ميكانيكي ، يصوت آليا ، مفتاح زره بيد السلطة ، والغرض من هذا القانون (العصا) تكمبم الافواه ، والضرب
بيد من حديد على أنامل يريدون لما تخطه من أحلام وتطلع مشروع لهذا الشعب ، يعادي مشاريعهم في البقاء والتسلط عليه ، أن
يكون جريمة ، بدل التركيز على إجرامهم الحقيقي ، والمشهود الذي لا لبس فيه اتجاه
هذا الشعب الضعيف .
لا يدل تقديم مثل هذه القوانين إلا على استبداد من يقدمه ، ووجود برلمان
يشرع مثله يفضح ما خفي وراء شكله ، انعدام تمثيل الشعب والدفاع عن مصالحه ، و مثل
هذا النوع من القوانين لا مرجع له في العلوم القانونية النظرية ، ففقهاء القانون
برءآء منه ، وكذلك مراجع الشرع ، وقيم
العدل ، والشعب لا يراعي حريته وكرامته عله يحظى بدعمه ، ومنه يكون لا وجود له إلا
في خيال الاستبداد كغيره ، مما يحيك في مخيلته ضد الشعب ، ولا أرى له ذلك سببا سوى في مقارعته .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire