طبيعي أن تخرج من الصلاة فإذا بك تقف على دماء ولباس شيخ قتلته أيادي الغدر والخيانة، وهو يحمل طعام صغاره متجها إلى بيته، طبيعي هذا في بلد دمر العسكر قيمه واقتصاده ومدرسته، وحولوه إلى مرتع للجريمة والرذيلة وهم أكبر وأهم مشجعيها، فكم من قاتل وسارق وتاجر مخدرات.. أطلق بأمرهم وهو يسرح ويمرح متمتعا بحمايتهم؟
لقد استفحل أمر الجريمة وخرج اليوم عن السيطرة، ففي العالم اليوم يطالب المواطن بالجلوس ببيته خوفا من خطر كورونا أما عندنا فالخطر أكبر، إذ الجلوس بالبيت بهدف الحفاظ على النفس وليس من كورونا بل من اللصوص وقطاع الطرق، فضحاياهم أكثر من ضحايا كورونا، وكورونا أرحم منهم، لكن الأخطر من ذلك كون الجلوس بالبيت لا يحمي صاحبه صولان اللصوص وفتكهم، خصوصا بالأحياء التي تنتمي بها الأبواب والمساكن لحال الطبقة التي تعيش بها، يعني أبواب ومساكن هشة وضعيفة مثل ملاكها تماما من الضعفاء والمساكين، وكأن قدرهم أن يعيشوا حربا بلا هوادة بتلك الأسلحة مع كبار اللصوص نهارا في الإدارة، وبالمشافي، والمدارس، وعلى الماء والكهرباء، وعلى الغذاء...، وأن يعيشوها بحلول المساء ضد صغار اللصوص، يعني خطر بالجملة وآخر بالفرد كتب للمبتلين من أصحاب هذا المنكب أن يعيشوه بلا رحمة أو شفقة وكذا بلا انقطاع..
والأغرب من الجريمة بل الأخطر هو احتضان المجرم وتبنيه وحمايته من طرف من يفترض أنهم رجال دولة يسهرون على حماية الشعب وعلى تطبيق القانون، فكم مثلا من قاتل وأي مجرم من نوع آخر يسرح ويمرح خارج السجن بتدخل من نافذ يقدم له الحماية اللازمة ويرفض تطبيق القانون عليه وهو الذي يفترض أنه أعدم من زمان..!، وأبعد من ذلك يترك يعيش بين الآخرين بأقوى الوسائل وأهمها ليختار ضحيته القادمة بعناية، ولتكون تلك الوسائل بمثابة طعم قدم له كمساعدة من الأهل لجذب ضحيته القادمة، في تشابك واضح للمسؤولية ومساعدة ترقى لدرجة الشراكة في العمل الإجرامي بين مرتكبه وأهله ممن أمدوه بالإمكانيات والوسائل..
إن الحماية التي يجب أن يتمتع بها الشعب ضد المجرمين أخذها منه أهل المجرمين وأقاربهم من النافذين وأعطوها للمجرمين، وهو ما جعل العمل الإجرامي يزدهر ويتكاثر وتتنوع ضحاياه بين الشيوخ والشباب والنساء ولأتفه الأسباب..!، ولن يكون آخر تلك الضحايا الشيخ محمد سالم ولد التاه ولد ألما الذي قتل البارحة أمام المسجد وهو يحمل طعام صغاره..!، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..
لقد أحاط النظام العسكري المجتمع بكل ظروف الجريمة، فقد دمر منظومته القيمية، والتربوية، ودمر اقتصاده، وأمله في أي نوع من الحياة الكريمة، ثم تركه فريسة لأبناء وأقرباء تتنازعهم كل أرواح الشر ويدفعهم نحو عالم الجريمة شعورهم بالأمان من العقاب، فإلى متى سيظل الحال الخطير هذا على ما هو عليه الآن؟